جذوري، هويتي

جذوري، هويتي …لي بعض الجذور في مدافن بلدتي تنورين، أجدها أيضًا في عظام انسان انطلياس وعظام المومياءات المارونية المكتشفة في مغارة عاصي حوقا، وفي الجثمان الراقد في متحف قلعة بعلبك الذي اكتشف في بلدة دورس، وفي جثمان المحارب الراقد تحت كنيسة مار جاورجيوس للروم الأرثوذكس في بيروت!أما جذوري الأعمق قد تكون في عظام لوسي التي ترقد في المتحف الوطني الإثيوبي، أو في الهياكل العظمية المكتشفة في صحراء الصين أو بكل بساطةٍ في النووايس الفينيقية المنتشرة على الشاطئ اللبناني من قلعة طرابلس إلى قلعة صور…أجد جذوري في أماكن أجهلها، وفي آفاقٍ أوسع من قدرة استيعاب جمجمتي!أما هويتي ففيها حجارة الآجر التي نَقَشَ عليها قدماء الحضارة البابلية قصة جبل الأرز في ملحمة غلغامش باللغة المسمارية!فيها أيضا الأوراق البردية القادمة من ضفاف النيل إلى بيبلوس وتيروس لتحمل حروف الأبجدية الصوتية الأولى إلى بلاد الإغريق واللاتين والساكسون والسلاف والأمازيغ وسائر حضارات وشعوب الكوكب…فيها أيضا اللفائف القديمة للتوراة ولأسفار البيبليا اليهودية التي وُجِدَت في كهوف قمران، والتي تكرر ذكر لبنان وارز لبنان كلما أرادت اضفاء الرائحة الطيبة على النصوص الإلهية…فيها أيضا ذاك الرواق الطويل، الذي شهد خطوات وحوارات فلاسفة فينيقيا يوم شيَّدوا للإغريق حضارةً وفلسفةً…فيها أشرعة ومراكب امتطت صهوة البحر لتستهل فتح العالم على بعضه البعض وربط زواياه ببعضها…فيها قاعات بيريتوس العظيمة التي فيها كُتِب للرومان قوانينهم وللاتين شرعاتهم. فيها أيضًا صخرة بولس في طبرجا، وعصا بطرس في كنيسة مار يوحنا مرقس في بيبلوس،فيها صوت انهيار سد مأرب في اليمن، وأصوات قوافل شعوب الجزيرة العربية وهي تنساب على الرمال الذهبية نحو لبنان العظيم!فيها صوت الإزميل الذي نحت للموارنة قلاليهم ومحابسهم ومساكنهم بين كفرحي ووادي نهر ابراهيم ووادي قنوبين!فيها الريشة اللطيفة التي كتبت ايقونات وجداريات الأرثوذكسية من أقصى الشمال حتى أقصى الجنوب!فيها ذوق الفنان الذي زخرف الجامع المنصوري الكبير في طرابلس، فيها مهارة أصابعه يوم لم يترك منبراً ولا محراباً ولا عموداً ولا قبة ولا قنطرة ولا تكية، ولا إفريزاً طنفاً، ولا فسيفساء، ولا كتابة، ولا مرسوماً سلطانياً منقوشاً من مساجد عكار القديمة وصولا إلى أقدم حوزة في جبل عامل، إلا وصنعه بكامل شغفه وزينه بروحه وبسماحة علمه…فيها أيضا سلاسة التاريخ الذي احتضن كل الحضارات العربية والخلافات الاسلامية، من زمن الخلفاء الراشدين وصولا إلى زمن خلافة بني عثمان إلى يومنا هذا…فيها أيضا كل التجليات الروحية في العائلة الشرقية والعائلة الإبراهيمية من الدعوة التوحيدية عند بني معروف إلى بداية الأيزيدية مع الشيخ عدي بن مسافر البعلبكي!فيها الثقافة والحداثة الغربية بكامل أناقتها وكامل تقنيتها، وفيها كل ما في الشرق من أصالة وعراقة! فيها كل ما ذكرت، والكثير مما لم أذكر! ثقيلة كالكوكب وخفيفة كأجنحة الفراشات الربيعية…تقتل من يحاول احتكارها أو تعليبها أو تبديلها، وتنهي من يحاول تبديدها أو تذويبها أو تمييعها….انها هويتي! إنها لبنان! وُجِدَت قبل وجود الله على ألسنة البشر، ولن تنتهي قبل انتهاء البشرية وسقوط السماء بكامل آلهتها!#يحيا_لبنان*يوسف رامي فاضل

Spread the love

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *