عظة البطريرك مار بشارة بطرس الراعي
في قداس عيد مار مارون
الصرح البطريركي بكركي – ٩ شباط ٢٠٢٣
“حبة الحنطة إذا وقعت في الأرض وماتت تأتي بثمر كثير”
يسوع المسيح هو حبة الحنطة بامتياز الذي بموته ولدت الكنيسة ويدعونا لأن نكون على مثاله.
لا يمكن أن نُؤتي ثمارًا لا روحية ولا كنسية ولا مدنية ولا وطنية ولا سياسية ولا اجتماعية ما لم يمت كل شخص عن ذاته ومصلحته الخاصة وعن أنانيّته وهذا ما يُعطي الإنسان جمال وجوده.
الآباء والأمهات يُعطون بسخاء على مثال حبة الحنطة التي تموت لتعطي ثمارًا.
القديس مارون أب الكنيسة المارونية وشفيعها هو حبة حنطة بامتياز لأنه بموته على جبل قوروش، من خلال حياته النسكية، لم يجنذب الناس فقط في حياته ولكن بعد موته ولدت الكنيسة المارونية، وهي الكنيسة الوحيدة التي تحمل اسم قديس، ما يعني أن لنا مسؤولية عيش الإسم الذي نحمله وعلى مثاله وقدوته يجب أن نعيش.
لا يمكنني أن أكون ماروني
ولا أعرف من هو مار مارون
لا يمكنني أن أكون ماروني ولا أعرف ما هي رسالتي في كنيستي
لا يمكنني أن أكون ماروني الهوية ولا أملك إيمان مار مارون بالمعلّم الأوحد يسوع المسيح.
عيد مار مارون اليوم يدعونا للرجوع إلى هويتنا المارونية التي ترفض التقوقع والمصالح الضيقة، هويتنا المارونية، هوية انفتاح وحضارة وإيمان.
نحتفل بالعيد ،وهو علامة فرح، ولكن لا يمكننا أن نتجاهل دموعنا والحزن العيق في قلوبنا ليس فقط على حالتنا المارونية التي نحن فيها، ولكن أيضًا على الكوارث والزلازل والهزات التي أوقعت الرعب في وطننا والويلات بخسارة الآلاف في تركيا وسوريا.
نذكر اليوم بقداسنا كل الضحايا والجرحى والعائلات المنكوبة في هذا البرد والصقيع، نلتفت نحو أبانا السماوي ونقول :
“أبانا الذي في السماوات، أب الجميع، أرسل قوتك لشعوبنا المنكوبة ورحمتك للقلوب المتألمة”.
نعم أحبائي، إن الله يخاطبنا بكل الطرق وفي كل الظروف، خاطبنا بتجسده،بإنجيله،بكنيسته من خلال تعاليمها، وهو يخاطب اليوم ضميرنا، ضمير كل إنسان في أعماقه، ويدعونا إلى الخير ورفض كل أنواع الشر.
بصوت الضمير الحي، تخاطب الجيوب أبناءنا الموارنة في كل أصقاع المعمورة ونتوجه إليهم بالمعايدة القلبية والروحية، مؤمنين ومؤمنات، متمنين للجميع بعيد مبارك غني بمواهب الروح القدس والفصائل والقيم المارونية العريقة والمقدسة.
معكم نتوقف على هوية مار مارون التي يجب أن نعيشها، وهو مثالنا لأنه رجل صلاة، رجل تضحية، فجهله الله للجميع علامة السماء للأرض .
من هذا المنطلق أستذكر معكم اليوم أبعاد كنيستنا المارونية الخمس التي يذكرنا بها المجمع البطريركي الماروني.
البعد الأول، هي كنيسة بطريركيك إنطاكية،لأن أنطاكية هي مدرسة الإنفتاح وهي أم الكنائس ومار مارون خرّيج روحانية هذه المدرسة
البعد الثاني، هي كنيسة سريانية تحمل تراث مار أفرام السرياني ومار يعقوب وسواهم، تراث الروحانية النسكية العميقة، روحانية سر المسيح والروحانية المريمية.
البعد الثالث، الهوية الخلقيدونية نسبة لمجمع خلقيدونيا الذي اعلن أن المسيح إنسان بكامل الطبيعة الإنسانية وإله بكامل الطبيعة الإلهية وبدون ذوبان.
هكذا كنيسة مار مارون وتلاميذه بالبعد الزهدي والنسكي الخلقيدوني المؤمنة بالمسيح الكامل بإنسانيته وألوهيته.
البعد الرابع، كنيسة بطريركية ،٦٨٦ مع البطريرك الأول يوحنا مارون حفاظًا على كاثوليكوثيتها واتحادها مع روما بعد الإنشقاقات الكبرى. وبهذا أصبح البطريرك هو الرأس والأب لكنيسته وفي شركة تامة مع كرسي بطرس في روما.
البعد الخامس كنيسة رهبانية بامتياز ذات طابع نسكي على مثال مارون أبيها متجسدة في أرض لبنان حيث كُتب تاريخنا وبطركيتنا وتراثنا .
كل هذه السنوات كنيستنا بشراكة تامة مع كنيسة روما الأم، متجذرين في هويتنا وأرضنا ومنتشرين في كل الدنيا على مثال أرزة لبنان الطيبة الشذا، شلوشلها في أررضها ثابتة، وأغصانها ممتدة في كل المعمورة.
هذا هو أساس ثقافتنا وحضارتنا وهذا أساس كل عمل يجب أن نقوم به، ضمانة للإنسان والإنسانية وكرامة الشخص البشري، كنسيًا، إجتماعيًا ،وطنيًّا وسياسياً.
الذي يجهل جذوره يعيش بالفوضى والفساد.
ومن يجهل ماضيه، يجهل واقعه ومستقبله. وما عيد مار مارون اليوم سوا تذكير لهويتنا ودعوة لضمائرنا وجذورنا.
نلتمس من أبينا مارون أن يجعلنا نُدرك روحانيته كي نعيش على مثاله ونحن نحمل بمسؤولية، اسمه ونمط عيشه. وبه ومعه نمجد الثالوث القدّوس الآب والإبن والروح القدس الآن وإلى الأبد. أمين
كل عيد وأنتم بألف خير