كتاب مفتوح الى قضاة بلادي العدليّين والإداريّين والرقابيّين.
لا تُضرِبوا أُضرُبوا.
لا تعتكفوا، أَقدِموا.
تعلّمنا منذ نعومة أظافرنا، أنّ في لبنان سلطات ثلاث مستقلة، والسلطة القضائيّة هي أقدسها.
كما رسخت في العقول حكمة تشرشل الشهيرة، القضاء بخير يعني بريطانيا بخير.
من أجمل ما حصل في التاريخ الحديث، تحرير القضاة لروما العظيمة من قبضة وبراثن المافيات الإيطاليّة القاتلة.
أروع ما نقرأ خلف أقواسكم،
العدل أساس المُلك
وأَهْيَب ما في مطلع أحكامكم عبارة،
بإسم الشعب اللبناني.
وكم مِنْ مرّة قيل في الكتب المقدّسة وغيرها أنّ:
صوت الشعب من الله،
والله عدالة.
فبإسم الشعب، صوت الله، أُضرُبوا بِسَوطِكم.
لا داعي للبحث،
الإخبارات تملأ الأخبار.
هم يُدينون بعضهم البعض من على منبر مجلس النواب.
إسألوا حَسَن فضل الله ومطالعاته الشهيرة ضد الفساد والفاسدين.
إسألوا جميل السيّد وسليم سعادة وجورج عدوان عن حسابات مصرف لبنان في العام ٢٠١٧ ورسوم الأملاك البحريّة والنهريّة وأموال الخليوي، واسألوا ابراهيم كنعان عن الإبراء المستحيل وبولا يعقوبيان وسامي الجميّل عن مطامر النفايات وغسان عطالله عن صندوق المهجّرين ووائل بو فاعور عن ملفّات مطابقة وغير مطابقة…
واسألوا قبلهم نجاح واكيم وعصام نعمان وسليم الحصّ وحسين الحسيني وراجعوا خطابات من غادر هذه الدنيا،
واللائحة تطول.
الإخبارات تملأ أخبار الشاشات وريبورتاجاتها وهي موثّقة ومصوّرة عن السدود التي لا ولن تمتلئ، والكهرباء المُظلِمة التي لا تنير، والبنى التحتيّة التي ما تحتها تحت، ومحطات التكرير التي لا تكرّر،
وأرتال الصهاريج والشاحنات العاملة في التهريب على عينك يا لبناني، والتي تَعبُر الحدود محمّلة بالبنزين والمازوت والطحين وكلّ ما هو مدعوم من الخزينة أي من جيبكم وجيب الشعب المقهور المنهوب المنكوب، وهذا غَيضٌ من فَيض.
قضاة بلادي،
أنتم ونحن الشعب، وَضَعنا أموالنا ومُدّخراتنا وجنى عمرنا في المصارف التي غسلوا دماغنا ودماغ مغتربينا على أنّها الأفضل والأَمْيَز والأضمن بين كلّ مصارف العالم ومعها الطمأنينة وراحة البال.
ويراقب هذه المصارف لجنة رقابة عليها، وفوق اللجنة أعضاء مجلس حاكميّة مصرف لبنان ومفوّض الحكومة لدى المصرف والحاكم وفوقهم وزارة ماليّة وفوقها مجلس وزراء يراقبه مجلس نوّاب.
إبدأوا من هنا، أحجزوا على كلّ ممتلكات أصحاب المصارف ومدرائها في لبنان والخارج، واسألوهم لمن وهبوا أموال المودعين وبأيّ حق، واحجزوا على ممتلكات أعضاء هيئة الرقابة على المصارف وأعضاء حاكميّة مصرف لبنان ومفوّض الحكومة لديه والحاكم ووزراء المال والوزراء ورؤساء الحكومات ورؤساء مجالس النواب والنواب….. ورئيس الجمهوريّة منعاً للاستثناء.
واسلكوا ذات المسلك باتجاه إدارة الجمارك في كلّ المرافئ والمرافق، وابحثوا عن التهرّب الضريبي وخسائره التي تقدّر بمليارات الدولارات، ولا تنسوا كارتيلات النفط، والنفط المغشوش وتجّار الاحتكار…
واذهبوا الى مجلس الإنماء والاعمار والتلزيمات فيه، ومجلس الجنوب وصندوق المهجّرين والهيئة العليا للإغاثة ومصلحة تسجيل السيارات والميكانيك والتلزيمات في وزارة الأشغال وباقي الوزارات.
أحجزوا على ممتلكات رؤساء وأعضاء مجالس الإدارة والمدراء العامين للمؤسسات العامّة.
حاكموا الجميع ومن تَثْبُت براءته ونظافة كفّه نرفعه على الأكّف ونرفع له القبّعة،
ومن يُدان نتركه إلى عدالتكم التي هي من لَدُنِ الله عزّ وجلّ.
قضاة لبنان،
الدولة اللبنانيّة مديونة بمئة مليار دولار، وتمّ إنفاق أكثر من مئتي مليار دولار خلال ثلاثة عقود فقط، فماذا أنجزت المنظومة الحاكمة بثلاثماية مليار دولار أميركي؟
إطلاقاً ولا شيء إلّا مزيد من الانهيار والفقر والبؤس والمآسي.
أموالكم وأموال مواطنيكم هناك،
هناك معهم هُم،
هُم وعائلاتهم ورجال أعمالهم المتعهدّين والسماسرة والمتنفّذين والحاشية ….
فبربّكم، بماذا يعمل معظم حُكّامنا لتنهال عليهم الأموال كالمطر فلا تقدر لا بيوتهم ولا مصارف لبنان ولا مصارف الجنّات الضرائبيّة على استيعاب ملياراتهم؟
هل اكتشفوا الذرّة والطاقة البديلة وغوغل والأقمار الصناعية والمرّيخ ولقاح الكورونا…؟؟
هم يعملون في مجالٍ واحدٍ أوحد، حَلْب بقرة الدولة حتى الثمالة.
ولمّا انتهوا من بقرة الدولة ها هم يَحلبون شعبهم ويمتصّون دماءه ويرمون الناس بوجه بعضها البعض،
فَيَلوم الضابطُ القاضيَ ويعاتب الميكانيكيُّ البقّالَ والعاملُ صاحبَ العملِ والمعلّمُ المدرسةَ، والمدرسةُ أهلَ التلامذة والمريضُ الطبيبَ والمستشفى، والكلّ مُستَنْفِرٌ بوجه الكلّ،
أمّا هُم ففي قصورهم هانئين وعلى مستقبل ذريتهم مطمئنّين وبٍفُتاتِهم يشترون المُصَفّقين والتابعين والزاحفين والمنتفعين …
قضاة بلادي،
قضيتكم أرفع من الراتب.
أنتم لكم الحق أن تعيشوا الكرامةَ بأبهى حٌلَلِها.
وواجِب على دولتكم أن تضع مقدّراتها وأموالها ونفسها بتصرّفكم لتنصرفوا الى خدمة الحق والحقيقة والانسان والوطن أحرار الضمير من أيّ قيدٍ او شرطٍ أو همٍّ أو غمّ.
كلّ القوى العاملة تلجأ الى الاضراب كطريقة سلميّة لتحصيل الحقوق.
نحن نربأ بكم عن سلوك ذات الطريق فمقامكم أعلى.
شعبكم يناديكم، اسمعوا صوته، صوت الله،
أسلكوا طريق العدالة مهما كانت وعرة وشاقة وطويلة ومُكلِفة،
لا تنكفئوا، حاكمونا جميعاً، وسترون ناسكم وإخوتكم ومواطنيكم يبايعونكم الحبّ والثقة والإخلاص الى منتهى الدهر.
وليذكر التاريخ أنّه في بلاد الأرز، أمّ الشرائع، انتفض طائر فينيق العدالة على سُلطة مُتسلّطة وأعاد مال الشعب للشعب وعاقب تجّار الهيكل، فيصبح بذلك لبنان المثال، الى جانب إيطاليا وقضاتها الأبطال، في تحرير الشعوب من جُورِ وفجورِ المافيات المُتَسَتِّرَة بلباس السلطة والدولة.
مع فائق التقدير والاحترام.
د. شربل عازار