راعي: إلى متى تبقى أرض لبنان مُباحة لكلّ حامل سلاح؟
وجه البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي رسالة الفصح الى اللبنانيين جميعاً والمسيحيين خصوصاً، مقيمين ومنتشرين، من كنيسة السيدة في الصرح البطريركي في بكركي بعنوان: “المسيح قام حقا قام”، في حضور مطارنة الطائفة والرؤساء العامين والرئيسات العامات والكهنة والراهبات، النائب السابق حكمت ديب، وفد من المجلس العام الماروني برئاسة رئيس المجلس ميشال متى، وفد من رابطة كاريتاس لبنان برئاسة الاب ميشال عبود، وفد من الامانة العامة للمدارس الكاثوليكية برئاسة الاب يوسف نصر،والعاملين في الصرح.
وقال، إننا “نقع في هذا المحظور إذا جعلنا موت المسيح وقيامته مجرد ذكرى تاريخية لحدثين إنتهيا منذ ألفي سنة. ونقع في هذا المحظور إذا حصرنا العيد بمظاهر الأكل واللباس، عند القادرين، أو أيضا إذا حصرنا ذكرى الحدثين في النصوص الليتورجيا الغنية بمضمونها، إذا أبعدناها عن مجرى حياتنا الشخصية وطريقة عيشنا. لا يقتصر هذا الكلام عن سر الفداء بالموت والقيامة على جماعة المؤمنين، بل يشمل بنوع خاص المسؤولين المدنيين الذين نذروا نفوسهم للعمل السياسي من أجل تأمين الخير العام”.
وأضاف، “هؤلاء إذا لم يحققوا في ذواتهم قيامة القلب، ويعبروا من حالة الخطيئة إلى حالة النعمة، لظلوا ممعنين في خراب الدولة وهدم مؤسساتها، وهدر أموالها وإفلاسها، وفي تدمير اقتصادها، وفي إفقار مواطنيها وتحقير شعبها، وفي تقويض مستقبل أجيالها الواعدة، وتشتيت قواها الحية في أربعة أقطار العالم. عشنا الأربعاء الماضي مع السادة النواب المسيحيين في ظل سيدة لبنان-حريصا، خلوة روحية عمها الفرح المشترك بنتيجة إصغائنا معا إلى تأملين من الكتاب المقدس، زرعا في قلوب الجميع فرح عمل الله كمبادر أول، وفرح العمل المنتظر من الإنسان لإكمال العمل الإلهي فينا وفي دائرة محيطنا وفي شبكة علاقاتنا مع جميع الناس”.
وتابع، “هذا الفرح هو الثمرة الناتجة عن سماع كلمة الله، لأن الكلمة الإلهية تدخل في عمق قلب الإنسان وفكره وتستحثه على عيشها بالأفعال والمبادرات. وما زاد من هذا الفرح المشترك كان جو الصلاة والصوم وزيارة القربان المقدس وإمكانية التقرب من سر التوبة. ثم تكلل بالقداس الإلهي والمناولة الفصحية ومائدة المحبة في مركز بيت عنيا. فشكرنا الله على هذه النعمة، وشكرنا كل الذين رافقونا بصلاتهم. بالطبع إنطلق السادة النواب عائدين إلى مساحات عملهم الشاق ومسؤولياتهم الجسام في ما يتعلق بمصير الدولة والشعب والكيان والأرض. وأمام ضميرهم الوطني النيابي وما يثقله من مسؤوليات، مثل:
– انتخاب رئيس للجمهورية، ينعم بالثقة الداخلية والخارجية، وإلا ظل مجلسهم معطلا عن التشريع والمحاسبة والمساءلة، وهم يشغلون منصبا فارغا من محتواه، وظلت الدولة من دون حكومة كاملة الصلاحيات، والوزارات والإدارات العامة مبعثرة، والقضاء متوقفا وخاضعا للنفوذ السياسي، وكارثة تفجير مرفأ بيروت وضحاياها وخساراتها طي النسيان، والسلاح غير الشرعي في حالة إنفلات يجر لبنان وشعبه إلى تلقي ضربات الحروب التي لم يقررها ولم يردها، كما جرى بالأمس على حدود الجنوب، على الرغم من قرارات مجلس الأمن وأهمها القرار 1701. إلى متى تبقى أرض لبنان مباحة لكل حامل سلاح؟ وإلى متى يتحمل لبنان وشعبه نتائج السياسات الخارجية التي تخنقه يوما بعد يوم.
– 80 % من اللبنانيين تحت خط الفقر، والعيش في الحرمان والعوز حتى الإنتحار.
– النقص في الأدوية للمرضى وعجزهم عن الإستشفاء وموتهم في بيوتهم.
– انقطاع التيار الكهربائي وخدمة الإنترنت وتعطيل العمل والدروس ولا سيما في المدارس الرسمية.
– وجود 2،300،000 نازح سوري يستنزفون مقدرات الدولة ويعكرون الأمن الإجتماعي ويسابقون اللبنانيين على لقمة عيشهم، ويذهبون إلى سوريا ويرجعون من معابر شرعية وغير شرعية بشكل متواصل ومنظور، والأسرة الدولية تحميهم على حساب لبنان لأسباب سياسية ظاهرة وخفية. ومن الواجب الملح العمل من قبل النواب والمسؤولين مع الأسرة الدولية على إرجاعهم إلى وطنهم ومساعدتهم هناك.
– الشلل الإقتصادي وتدني الأجور وهجرة أهم قوانا الحية والفاعلة من مختلف القطاعات.
– شبه غياب عن الولاء للبنان والوطن بشعبه وأرضه وحضارته وحضوره في العالم وفي التاريخ.
– مشكلة الحالة العشائرية الضامنة التي تحكم الزعامات المتوارثة بالحياة السياسية. ما يوجب تغيير الذهنيات، وتحرير المواطن من جميع الولاءات إلا الولاء للوطن، فيتساوى عندها المواطنون أمام القانون.
– انتشار الفساد وتهافت أركان السلطة على تحقيق المكتسبات الشخصية والفئوية، وتحاصص المغانم، حتى بلغ الإنهيار ذروته بالإستيلاء على جنى أعمار المواطنين”.
وقال “أي ثقة تريدوننا أن نعطي المسؤولين في الدولة عندنا، المعنيين بالمؤسسات التربوية والإستشفائية والإجتماعية، وهم يتنصلون من مسؤولياتهم بتأمين مستحقات الدولة سنوات وسنوات للمدارس المجانية التابعة للكنيسة وهي 87 مدرسة، تضم 28،676 تلميذا، و1651 معلما، و453 موظفا؛ بالإضافة إلى المدارس التي على حساب الشؤون الإجتماعية، بين عادية وتقنية، وتضم 29 مدرسة، و 3،470 تلميذا. وهي مستحقات في الأساس غير كافية لتأمين المطلوب تربويا، واليوم فقدت قيمتها بفعل تدني قيمة الليرة اللبنانية. ألا يشعر بالحياء هؤلاء المسؤولون، فيما الكنيسة تؤمن هذه الخدمة التربوية الإجتماعية التي هي في الأساس من أولى واجبات الدولة؟ ألا يشعرون بالحياء تجاه العائلات الفقيرة والمهمشة فيما هم مأخوذون بمشاريع طنانة غير ضرورية تستوجب ملايين الدولارات؟ ألا يشعرون بالحياء فيما الكنيسة تدق بخجل كبير أبواب المحسنين داخليا وخارجيا، والمسؤولون غير معنيين تماما. وما القول عن مستحقات الوزارات تجاه المستشفيات ودور المسنين واليتامى وذوي الإحتياجات الخاصة. والمسؤولون في الدولة غير معنيين بهذا الإنسان المحتاج الذي من أجله مات المسيح”.
وأضاف، “أقمتم، أيها المسؤولون في الوزارات بواجباتكم التي تبرر سبب وجودكم في الحكم، أم لا، فإن الكنيسة ستتمسك أكثر فأكثر بواجبها الضميري في خدمة هؤلاء الذين سماهم الرب يسوع “إخوته الصغار” (متى 25: 40)، من أجل تأمين حقوقهم وحماية كرامتهم. والحيف عليكم. وفي ختام هذه الرسالة الفصحية نجدد معا التزامنا بالرجاء في تغيير وجه هذا العالم، لأننا أبناء وبنات القيامة. ولتكن رسالتنا تجاه شعبنا تثبيته في هذا الرجاء المسيحي، فالمسيح قام ليجعل كل شيء جديدا.
أجل، المسيح قام! حقا قام”.