عظة البطريرك الكردينال مار بشاره بطرس الرَّاعي
الأحد السادس من زمن العنصرة.
إنّ التحلّي بقيم ملكوت الله أساسي في ممارسة السلطة والعمل السياسي. هنا تكمن مشاكلنا في لبنان، فنذكر منها ثلاثة.
المشكلة الأولى: المراوغة واللامبلاة المستمرّة في موضوع تشكيل الحكومة. إنَّ عدم تسهيل تأليف حكومة جديدة كاملة الصلاحيّات الدستوريّة، وتتمتّع بالصفة التمثيليّة وطنيًّا وسياسيًّا وميثاقيًّا لهو عملٌ تخريبيّ. فإنّ ترك البلاد بلا حكومة في نهاية عهد وعشيّة الاستحقاق الرئاسي، يؤدّي حتمًا إلى إضعاف الصفة التمثيليّة للشرعيّة اللبنانيّة كمرجعيّةٍ وطنيّةٍ للتفاوض مع المجتمع الدوليّ. فتبقى قوى الأمر الواقع تتحكّم بالقرار الوطنيِّ وبمصير لبنان. من شأن ذلك أن يزيد انهيار الدولة وغضب الناس، كما من شأنه أن يجعل صراعات الـمنطقة وتسوياتها تتمّ على حساب لبنان كما جرت العادة في العقود الأخيرة.
ونرفض أيضًا مع شعبنا التلاعب باستحقاق رئاسة الجمهوريّة. أنّنا نتمسّك بضرورة احترام هذا الاستحقاق في وقته الدستوريّ، وانتخاب رئيسٍ متمرِّسٍ سياسيًّا وصاحب خبرة، محترم وشجاع ومتجرِّد، رجل دولة حياديّ في نزاهته وملتزم في وطنيّته. ويكون فوق الاصطفافات والمحاور والأحزاب، ولا يشكّل تحدّيًا لأحد، ويكون قادرًا على ممارسة دور المرجعيّة الوطنيّة والدستوريّة والأخلاقيّة، وعلى جمع المتنازعين والشروع في وضع البلاد على طريق الإنقاذ الحقيقيِّ والتغيير الإيجابيّ. وتقتضي ظروف البلاد أن يتمّ انتخاب هذا الرئيس في بداية المهلة الدستوريّة لا في نهايتها ليطمئنّ الشعب وتستكين النفوس وتنتعش الآمال.
المشكلة الثانية: متابعة المفاوضات بشأن ترسيم الحدود البحريّة بين لبنان وإسرائيل، فيتمكّن لبنان من استخراج الثروات النفطيّة والغازيّة الموعودة من دون أي إنتقاص من حقوقنا الواضحة منذ تأسيس دولة لبنان الكبير. إنّ نجاح هذه المفاوضات يتوقّف أساسًا على متانة وحدة الموقف اللبنانيّ وراء الشرعيّة، وعلى عدم التشويش عليها وتعريضها للفشل في ظرف دقيق للغاية. لا تستطيع الدولة أن تفاوض وآخرون يمتحنون المفاوضات عسكريًّا. فرغم التطمينات الدوليّة التي تردنا، لا أحد يستطيع التنبّــؤ ما إذا كانت الـمنطقة عشيّة أحداثٍ عسكريّةٍ أو سلميّة، لكنّها بالتأكيد عشيّةَ تطوّراتٍ معيّنة. لذلك تقتضي مصلحة لبنان العليا تحييد ملفِّ المفاوضات الحدوديّة عن اللعبة السياسيّة والاستحقاقات الداخليّة والصراعات الإقليميّة، إذ حان الوقت ليلتفَّ جميع الأطراف حول مصلحة لبنان.
المشكلة الثالثة: الطاقة الكهربائيّة: إنّه من الممكن تأمين إنتاج حتى عشر ساعات يوميًّا، قبل إنشاء معامل للإنتاج، كما نعرف من أوساط الوزارة المعنيّة. وهذا يقتضي ثلاثة:
1- تأمين الفيول وخاصّة من مصر والجزائر.
2- رفع التعرفة بمايتناسب مع الكلفة.
3- الجباية الصحيحة والشاملة.
كلّ ذلك يحتاج إلى توافق سياسيّ ودعم من جميع الأطراف وخاصّة من أجل ضمانة الجباية الشاملة وعدالة التوزيع.
ومن مدعاة الرجاء والفرح أن يأتي اللبنانيّون من سائر بلدان الانتشار وبأعداد كبيرة لتمضية فصل الصيف في ربوع لبنان رغم الحال الدقيقةِ التي يمرّ فيها وطننا ورغم معوّقات الحياة اليوميّة. وهذا يدلّ على تعلّق الشعب بوطنه في جميع الظروف الحلوة والسيئة. فنأمل أنَّ موجة الهجرة الأخيرة ستكون مؤقّتة ويعود المهاجرون الجدد إلى لبنان ما أن تتحسّن الأحوال الاقتصاديّة ويطل قريبًا فجر وطنيّ جديد. أجل، لا بدّ للفجر من أنْ يبزغ على هذا الشعب الصابر والصامد والمتوثِّب لإعادة بناء وطنه.