“حقوق المسيحيين المتراجعة المتدهورة”
بقلم عبد الحميد الاحدب
من نوري السعيد الى ميلوسوفيتش الى جبران باسيل
بطل الثورة هو البطريرك
بقلم المحامي عبد الحميد الأحدب
أكتب بقلق مخلص شديد لخوفي على المسيحيين في لبنان وعلى دورهم وبكثير من الولاء للبنان أقول أن الخطر على المسيحيين هو خطر على لبنان، فلولا المسيحيين وتعايشهم مع المسلمين لما كان للبنان لا وجود ولا مبرر للوجود. وميسحيو لبنان ليسوا مسيحيو الشرق ولا هم مرتبطون بمسيحيي العراق الذين هاجر مليون وربع المليون مسيحي منهم منذ أن نبتت الداعشية في العراق ولا مسيحيو السودان ولا مسيحيو سوريا.
مسيحيو لبنان هم حرّاسه بالتعايش مع المسلمين وهم عماده ومبرر وجوده في التاريخ والجغرافيا ولو كان لبنان كلّه من المسلمين لما كان للبنان مبرر للوجود، وكانت الخريطة مختلفة تماماً. وحين أقول المسيحيين فأنا أقول أيضاً ثقافتهم وطريقة عيشهم وعلاقاتهم الفكرية التي ليست ثقافة أقباط مصر ولا ثقافة مسيحيو العراق ولا مسيحيو السودان ألخ….
مسيحيو لبنان هم ترابط مع مسلمي لبنان كما شرح بوضوع وإخلاص الرئيس فؤاد السنيورة.
ونجح هذا الترابط أو التعايش كما هو في حقيقته في عهد فؤاد شهاب والشهابية وشخص الشيخ بشارة الخوري وشخصية العميد ريمون اده ونترك لشخصية بشير الجميل هامشاً لاسيما وأن بشير الجميل طبّع مع إسرائيل بينما في هذاالوقت لم يبق إلاّ أربع دول عربية على عداء مع إسرائيل وطبّعت سائر الدول العربية علاقتها بإسرائيل إلى آخر مدى.
وكان سر نجاح فؤاد شهاب وبشارة الخوري وريمون اده وبشير الجميل أنهم احترموا أنفسهم أولاً إزاء المد العربي الإسلامي. فالشيخ بشارة الخوري شارك في تأسيس جامعة الدول العربية وطمأن العرب فلما قال لهم حين جاؤوا لإقرار قاعدة التصويت نحن أقليّة فإذا إعتمدتم الأكثرية في التصويت ضاعت هويتنا ودورنا فإستجاب العرب وعلى رأسهم مصر والسعودية وإعتمدوا الإجماع في إتّخاذ القرارات ولما إلتقى فؤاد شهاب مع الزعيم الذي كان اسطورة في ذلك الوقت أي جمال عبد الناصر أصرّ فؤاد شهاب أن يكون الإجتماع في خيمة على الحدود اللبنانية السورية نصفها في الأراضي اللبنانية ونصفها الآخر في اراضي الجمهورية العربية المتحدة في زمن الوحدة وقتذاك! وإلتزم فؤاد شهاب بمراعاة عروبة عبد الناصر في سياسته الخارجية وإلتزم عبد الناصر مراعاة لبنانية فؤاد شهاب في السياسة الداخلية ولام العروبيون المتشددون عروبة الشهابية الناقصة والأرجحية اللبنانية فيها بقول فتى العروبة الأغر منح الصلح في ذلك الوقت: “إن الشهابية طبّقت قليل من العروبة لدفع الكثير منها”.
واحترم فؤاد شهاب نفسه كثيراً واحترمه عبد الناصر كثيراً.
وكانت للبنان فترة هدوء وأمان لأنّه نجح في عروبة خاصة به ولبنانية كاملة له!
لبنان عربي: ولكن عروبته لبنانية أساسها الحرية والديموقراطية، عروبة لبنان ليست كعروبة البعث: سجون واغتيالات في سوريا ومقابر جماعية في العراق، وليست عروبة السمسرة كما في السودان، وليست عروبة دينية كما في الخليج والجزائر! عروبة لبنان قائمة على تركيبة متنوّعة في تكوينه، مدنية حضارية قائمة على الحرية، وهي عروبة كان يمكن أن توجد حلاً لقضية فلسطين لو لم تقفز الجيوش العربية كلّها وأقول كلّها الى السلطة لتحرير فلسطين بعد سنة 1948، ولم تعرف الجيوش العربية أن تحكم ولا عرفت كيف تحارب. فكان ما كان من وضع فلسطين اليوم حيث طبّعت ثلاثة أرباع الدول العربية مع اسرائيل!
عروبة لبنان ليست عروبة منح الصلح البعثية والتي إتّهم الشهابية بأنّها: “تعطي قليلٌ من العروبة لدفع الكثير منها”. عروبة لبنان فيها الحرية أولاً وأساسها الحريّة وهي قدوة العروبة وطريقها في لبنان هو الحياد وحده دون سواه: وبالحياد تستكمل عروبة لبنان وهي لا تقوم إلاّ بالحياد.
إلى أن كانت هزّة التاريخ في سقوط عبد الناصر سنة 1967 ثم موته سنة 1970!
كان للمسيحية اللبنانية العربية دور ينتظر ريمون اده. فجاء التاريخ بعكس التاريخ وأسقطت الشهابية على صوت واحد.
ولو جاء ريمون اده بعد الشهابية وهو كان خصمها اللدود ولكنّه إعترف قبل ثلاثة أيام من وفاته أنّ الشهابية بنت دولةً ووطناً وأنّه كان مخطئاً في حربه ضد الشهابية لأنّ العميد ريمون اده كان رجل الوطنية ورجل الحرية أيضاً ولم تكن الحرية بأمان أيام الشهابية. وبدلاً من ريمون اده جاء إتفاق القاهرة بعد الشهابية وجاء اتفاق القاهرة وجاءت معه الدويلة الفلسطينية وتصدى ريمون اده لإتفاق القاهرة وهو الإتفاق الذي استغرب عبد الناصر نفسه كيف يبرمه لبنان وقد عرف أوضاع لبنان وتركيبته. ولم يزر ريمون اده عبد الناصر ووقف متصدياً لإتفاق القاهرة ودويلته الفلسطيينة التي ذهبت تحرر فلسطين من جونيه وعيون السيمان. وتصدّى المسيحيون لإتفاق القاهرة، لأنّه قضى على القضية الفلسطينية وأشعل الحرب الأهلية في لبنان، تصدى ريمون اده للدولة الفلسطينية من الخارج وتصدّى لها بشير الجميل من الداخل. وأخرجت الحرب الأهلية المنظمات الفلسطينية من الباب سنة 1982 لتدخل المخابرات “العلوية” لحكم لبنان مباشرة من الشباك بأسماء مسيحية مثل اميل لحود والياس الهراوي!
وبقي بطلا المقاومة المسيحية لحكم المخابرات العلوية ريمون اده من الخارج وبشير الجميل من الداخل، إلى أن تمّ اغتيال بشير الجميل في عقر داره!
وظلّ بشير الجميل يُقتل كل يوم بعد ذلك… وريمون اده يقف في المحافل الدولية بطل المقاومة المسيحية حتى حصل حادثان: الأول وفاة ريمون اده والثاني اغتيال رفيق الحريري الذي كان فرصة تاريخية لإسلام سياسي سني ، لبنان يعتبر مبدأه وشعاره “لبنان أولاً”.
ولكن بدخول الإسلام السني السياسي الى الراية اللبنانية عاد التاريخ من جديد ليكون ضد لبنان، فإذا تراجعت المخابرات العلوية تقدّمت للصفوف الأولى الطائفة الشيعية بحلف مع ايران بعد سقوط الشاه وبإتفاق بديل لإتّفاق القاهرة مسيحي شيعي أبرم في “مار مخايل” وسميّ إتفاق مار مخايل وصارت الطائفة السنية بدون زعيم بعد اغتيال رفيق الحريري ووفاة صائب سلام واغتيال رشيد كرامة، واخذت الزعامة المسيحية تهوى وتتراجع ملحقة نفسها بالزعامة الشيعية المسلمة الدينية المرتبطة بإيران. وصار لبنان بدون رجلين وأُلحقت الزعامة المسيحية المتهاوية بالزعامة الشيعية المتصاعدة. وتراجع الدور المسيحي الذي كان له خصائص عربية وغربية وتوازن ثقافي وفكري عربي غربي جعل من لبنان جزيرة الحرية والثقافة المختلطة.
الثقافة عند المسيحيين لم تكن ولا يوم ايرانية ولا حتى استطاع العثمانيون “تتريكها”. وهي التي أوحت بالفكر القومي العربي غير الديني، واستفاد المسلمون كثيراً من ثقافة المسيحيين كما طعّم المسيحيون ثقافتهم الغربية بالفكر العربي.
ظلّت الزعامة المسيحية تتراجع وتتهاوى والدور المسيحي يتناقض مع التاريخ ويناقض مع طبيعة دوره ومع ثقافته في التاريخ، حتى صارت السياسة اللبنانية والزعامة المسيحية ايرانية فارسية، وضاع الدور المسيحي في اتفاقية “مار مخايل” حين اصبح المسيحيون اللبنانيون حماة الفرس ويرفضون حتى المبادرة الفرنسية.
صارت الزعامة المسيحية عونية شكلاً وجبران باسيل فعلاً، وليس لنا أن نردد ما تردد في الشوارع منذ ثورة 17 تشرين.
ليست الزعامة المسيحية ولا علاقة لها بفؤاد شهاب ولا بريمون اده ولا ببشير الجميل.
العونية التي انتخبها المسيحيون وأعطوها اكثر من عشرين نائباً في المجلس النيابي، اصبحت على نقيض الزعامة التاريخية!
المسيحيون اليوم ضد تاريخهم وضد ثقافتهم وضد دورهم التاريخي.
إنّ الزعامة المسيحية لتعود هي الزعامة اللبنانية الأولى بحاجة الى شخصيات بديلة عن فؤاد شهاب وريمون اده وبشير الجميل.
جبران باسيل الذي يلعب اليوم دور ميلوسوفيتش في البلقان وحروبها، التي كتب عنها سمير عطا الله، الكاتب العبقري، مقالاً رائعاً يُشبّه ما حصل في البلقان بما حصل ويحصل في لبنان بعنوان “ما فيش فايدة”، يقول على ذكر فؤاد شهاب “ذهبت الى بلغراد أول السبعينات وكان سفيرنا فيها الراحل العزيز الشيخ منير تقي الدين وكان الشيخ منير قد ألّف كتاباً عن سيرة تيتو، وانخرط في الجو الدبلوماسي في المدينة” ويقول سمير عطا الله، قلت للشيخ منير ذات يوم: “هل هناك خوف من عودة البلقنة؟ قال: بعد تيتو كل شيء محتمل وعندنا (أي في لبنان من عندي) بعد فؤاد شهاب كل شيء محتمل أيضاً.
إنّ التاريخ لا يرحم، ولنعد الى التاريخ فالعائلة الهاشمية في العراق كانت لها شعبية وزعامة تاريخية ودينية وكانت تتهيأ تاريخياً وهي الآتية من الحجاز لحكم المنطقة العربية كلّها بدءاً بسوريا والأردن والعراق.
ولكنّ التاريخ لا يغفر، فحين وقف الأمير عبد الله ونوري السعيد متعانقين بينما القاهرة تُقصف وبور سعيد يجري إبادة شعبها – فإنّ التاريخ لم يغفر ولم يرحم.
ذات يوم في 14 تموز 1958 ارسلت العائلة ألهاشمية فرقة من الجيش، في طريقها الى الخارج، مرّت بالقصر الملكي ووقفت ثم اندفع الجنود والضباط الى قصر الرحاب الملكي فأبادوا العائلة الهاشمية عن بكرة ابيها لأنّها وقفت ضد التاريخ يوم تعانق عبد الإله ونوري السعيد مع الرئيس الإنكليزي إيدن خلال إبادة الشعب المصري!
وحكم التاريخ على العائلة الهاشمية بالإبادة حين ضيّعت دورها وسارت ضد تاريخها، وكانت الإبادة والمشانق والسحل، ولم يفهم نوري السعيد التاريخ..
وما زال جبران باسيل الذي يلعب اليوم دور ميلوسوفتش في البلقان بعد تيتو مصراً على أن يبقى المسيحيين خارج تاريخهم بحجة استعادة النفوذ والسلطة المسيحية..
ولكن التاريخ لا يغفر..
ولكن الثورة ليست يتيمة، وليس مهربو المخدرات ومبيضو الأموال الذين يعيشون على ولاية الفقيه الايراني بالمال والسلاح هم من يحرر فلسطين ويسقط لبنان في عبودية ايران.
الثورة لها بطل هو بطريرك المسيحيين ومفتي المسلمين البطريرك الراعي الذي يرفع الصوت فيهز العالم بأسره.
إن البطريرك هو سعد زغلول هو عبد القادر الجزائري هو ريشوليو: هو بطل الثورة وبطل المسيحيين الذي يقوم بجرأته وبطولته بتقويم الإعوجاج، الذي يجري إصلاحه على يد البطل الماروني الراعي وكلّنا مع البطريرك ومع الحياد.”